منشآتنا السكنية ما بين الأسس المحلية والمستوردة

سليمان بن عبدالله الرويشد
على مدى الأربعة عقود الماضية تحولت المباني السكنية لدينا تدريجياً من منشآت ذات حوائط حاملة طينية أو حجرية وفق الأسس والظروف المحلية التي نشأت عليها إلى منشآت هيكلية ذات أعمدة وأسقف من الخرسانة المسلحة وذلك من جملة ما استوردناه من نظم البناء وغيرها، إلى أن بلغت نسبة المساكن الخرسانية من بين كافة أنواع المساكن الأخرى نحو 80%، وحين ندرك أن نسبة رخص البناء السكنية من إجمالي ما يصدر من رخص بناء في المملكة تبلغ أكثر من 92% نعلم حينئذ الأثر الكبير لما يتردد في الوقت الحاضر من أنباء عن زيادة مرتقبة لأسعار الحديد قد تتجاوز الخمسين في المائة وذلك على تكلفة بناء الوحدات السكنية اليوم وغداً.
تلك الحقائق تقودنا بلا شك إلى تقرير خطأ ارتكبناه في تقييد البدائل أمامنا لإقامة المباني السكنية في نظام إنشائي واحد هي المنشآت الهيكلية، والتحول بمقدار مائة وثانمين درجة إليه دون غيره من النظم الإنشائية الأخرى، وهجر نظام كان قائماً على أسس وعناصر محلية، هي المنشآت ذات الحوائط الحاملة مهملين تنميته وتطويره، مستعيضين عنه باسلوب جلبنا تقنيته ومكوناته من خارج الحدود.
إن معظم إن لم تكن جل مبانينا السكنية لا تتجاوز في عدد أدوارها الاثنين، وبالتالي يعتبر المتخصصون تبني نظام البناء بالخرسانة المسلحة في هذه المنشآت أسلوبا عالي التكلفة، مقارنة بنظام الحوائط الحاملة، فالأخير يمكن أن يؤدي إلى توفير ما نسبته 30% تقريباً من تكاليف الهيكل الانشائي الخرساني، ونسبة 50% من حديد التسليح، إضافة إلى التوفير في تكاليف الشدات الخشبية في إنشاء تلك المباني، وأجور أعمال النجارة والحدادة للأعمدة والأسقف ونحوها من العناصر الإنشائية الأخرى، يزاد على ذلك الميزات والخواص الأخرى في المباني ذات الحوائط الحاملة من مقاومة أكثر للحريق وعزل للحرارة والصوت والتكاليف المنخفضة في أعمال الصيانة، والفترة الأطول بنسبة قد لا تقارن في عمر المنشأة، حيث الشواهد حولنا تقف في كل مكان لمبان طينية وحجرية بقيت صامدة عشرات بل مئات السنين، ومنشآت خرسانية لم يتجاوز عمرها الثلاثة عقود لم تعد صالحة للإقامة والسكنى.
إن مما أتمنى أن ينشأ لدينا هو تضافر لجهود مخلصة بين كل من مصنعي البلوك الأسمنتي والفخاري وربما الحجر الطبيعي أيضاً، والمؤسسة العامة للتدريب المهني والتعليم التقني وبنك التسليف،في وضع نماذج لوحدات سكنية تتلاءم مع الظروف الطبيعية المحلية لمناطق المملكة، قائمة على نظام الحوائط الحاملة، ليتم تدريب وتأهيل عدد ممن يتم تخريجهم من المعاهد التابعة للمؤسسة في عملية الإشراف الفني على تنفيذ تلك النماذج السكنية، بواسطة أيد عاملة وطنية إن أمكن، لنعيد إحياء تلك المهن المحلية التي فقدناها، أو أيد عاملة وافدة إن لم يتحقق ذلك، وتوفير قروض من بنك التسليف لأولئك الخريجين المؤهلين للإشراف على تنفيذ تلك المباني السكنية، ليتمكنوا من البدء في تنفيذ مشروعات صغيرة في هذا الإطار، للمؤسسات أو الأفراد، لتكبر مشروعاتهم مع الوقت ويعود انتشار هذا النظام الإنشائي المحلي مرة أخرى، لنحقق من خلال ذلك عدة أهداف، المساهمة في حل أزمة السكن لشريحة واسعة من المواطنين، وتوفير فرص عمل لأيدٍ وطنية تبحث عن ذلك والتقليل بنسبة جوهرية من التكلفة الإنشائية للمساكن، والتخفيف من حدة الطلب على الحديد المحلي أو المستورد وتوجيهه للمشروعات الإنشائية التي لا غنى لها عنه.